أمريكا خططت لضم ليبيا لإبراهام ورد الجميل لدبيبة
فجر التسريب الخاص بلقاء نجلاء المنقوش ، وزير خارجية ليبيا التابعة لحكومة الدبيبة
الوطنية ، مع وزير خارجية إسرائيل إيلى
كوهين فى العاصمة الإيطالية روما ، الأوضاع على كافة الأصعدة ، وانهالت التصريحات
من مسئولين للتعليق على هذا الحدث ، الذى تسبب فى اشعال أزمة حقيقية سواء عالمية ،
أو حتى داخل الشارع الليبى نفسه ، بعدما خرجت التظاهرات فى طرابلس وغيرها ،
للتعبير عن رفضهم التطبيع مع دولة الكيان الصهيونى ، وطالب المحتجون بضرورة رحيل
عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة الوطنية بطرابلس ، وأشعلوا النيران فى العلم الإسرائيلى والصور
الخاصة بالمنقوش وكوهين .
احتجاجات أمريكية ومراوغة ليبية
تسريب لقاء المنقوش وكوهين ، أغضب الإدارة الأمريكية ، والتى أرسلت بدورها احتجاجاً شديد اللهجة لحكومة إسرائيل ، وكشفت تقارير إعلامية ، إن رسائل صعبة تم تسليمها إلى كوهين وكبار المسؤولين بوزارة الخارجية الإسرائيلية ، أعلنت من خلالها الولايات المتحدة ، أن تسريب اللقاء من قبل إسرائيل أضر بالجهود الأمريكية لتعزيز عملية التطبيع بين إسرائيل وليبيا ودول عربية أخرى ، بل وتسبب في زعزعة الاستقرار في ليبيا والإضرار بالمصالح الأمريكية الاقتصادية والأمنية ، وترى الإدارة الأمريكية ، أنه كان على الحكومة الإسرائيلية ، أن تسارع بإصدار بيان ينفى خبر التسريب ، أو عدم التعليق عليه بشكل نهائى ، لاسيما وأن الولايات المتحدة كانت قد مهدت لهذا اللقاء منذ شهرين ، ليتم انعقاده بالعاصمة الإيطالية روما تحت رعاية أنطونيو تاجانى وزير خارجية إيطاليا .
وكان كوهين وزير خارجية إسرائيل ، عقب التسريب ، قد صرح
لوسائل الإعلام ، أنه تحدث مع وزيرة الخارجية الليبية عن توطيد العلاقات بين البلدين ، وتطرق للحديث عن أهمية الحفاظ على
تراث اليهود الليبيين ، بما يشمل تجديد المعابد والمقابر اليهودية في البلاد ، وأكد كوهين ، أن اللقاء التاريخي مع المنقوش
هو خطوة أولى في العلاقة بين إسرائيل وليبيا ، مضيفاً أن حجم ليبيا وموقعها الاستراتيجي ، يمنح العلاقات أهمية أكبر وإمكانات هائلة لدولة
إسرائيل ، و تطرق إلى الحديث عن إمكانية التعاون بين الدولتين والمساعدات
الإسرائيلية في القضايا الإنسانية والزراعة وإدارة المياه.
بينما خرج المجلس الأعلى للدولة الليبية ، ببيان شديد
اللهجة ، عقب تسريب اللقاء ، جاء فيه ، أن المجلس الأعلى للدولة الليبية ، يبدى
اندهاشه من لقاء وزير الخارجية الإسرائيلى بوزيرة الخارجية بالحكومة الوطنية
الليبية ، فى خطوة مخالفة لقواعد مقاطعة العدو الصهيونى ، ومنتهكة لمواقف وقرارات
عربية وإسلامية ، ومسيئة لتاريخ طويل وحافل من نضال الشعب الليبى الداعم والمساند
على مر التاريخ للقضية الفلسطينية
العادلة.
وحمل المجلس الأعلى للدولة فى بيانه المسؤولية القانونية
والأخلاقية والتاريخية ، لكل من شارك فى هذا العمل أو أشاد به ، ودعا كل الجهات
المختصة بالدولة الليبية ، إلى اتخاذ ما يلزم من اجراءات وعلى نحو عاجل ، لمحاسبة
المعنيين ، بما يكفل عدم ترتب أى نتائج على هذا اللقاء ، وبما يحول دون تكراره ،
مؤكداً أن القضية الفلسطينية ، كانت وستظل بالنسبة للشعب الليبى ، القضية الأم
التى توحد كل الأطراف والأطياف الليبية ، مهما كانت اختلافاتهم وتوجهاتهم .
يائير لابيد ، زعيم المعارضة في إسرائيل ورئيس الوزراء السابق ،
خرج بتدوينه له على حسابه بتطبيق " أكس " قال من خلالها ، إن ثلث دول العالم تتابع هذا التسريب غير المسؤول لاجتماع
وزيري خارجية إسرائيل وليبيا ، وتتساءل ، هل هذه دولة يمكننا أن نقيم معها علاقات
خارجية ؟ هل هذه دولة يمكنك الوثوق بها؟ هذا ما يحدث عندما
تعين إيلي كوهين وزيراً للخارجية ، وهو شخص لا خلفية له فى مجال الخارجية ، وأن ما
حدث مع وزيرة الخارجية الليبية ، عمل غير احترافى بالمرة ، وغير مسؤول ، وفشل خطير
فى الحكم ، وعار ومخاطرة بحياة المنقوش نفسها.
ومن جانبه أخذ رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية
عبد الحميد الدبيبة ، يبحث عن مخرج للوضع المخزى ، الذى وجد نفسه فيه ، عقب هذا التسريب ، واندلاع ثورة غضب ضده من
الشعب الليبي ، دفعت الليبيون للخروج للشوارع والميادين العامة للمطالبة برحيلة ،
فلجأ لحيلة مكشوفة ، يحاول من خلالها الإيحاء بأنه بعيد عن هذا اللقاء ، ولا يعرف
عنه أى شئ بخلاف الحقيقة ، حيث أصدر قرار
رقم 368 لسنة 2023 بإيقاف وزيرة الخارجية
نجلاء المنقوش عن العمل احتياطيا وإحالتها للتحقيق ، بسبب لقائها مع وزير خارجية
إسرائيل إيلى كوهين فى روما ، وتشكيل لجنة تحقيق برئاسة وزير العدل وعضوية وزير
الحكم المحلى ، ومدير إدارة الشؤون القانونية والشكاوى بمجلس الوزراء ، للتحقيق مع
وزيرة الخارجية فى هذه القضية ، وتكليف وزير الشباب فتح الله عبد اللطيف بتيسير
أعمال وزارة الخارجية والتعاون الدولى بصفة مؤقتة.
الدور الروسى وصراع السلطة
يعتقد البعض ، أن غضب الولايات المتحدة من التسريب ،
يرجع فقط كما أعلن مسئوليها بأن من شأنه يضر المصالح الأمريكية فى ليبيا ، ويتسبب
فى التوتر الأمنى بها ، ولكن هناك أمور أهم من كل ذلك احتفظت بها الإدارة الأمريكية
، دون أى تصريحات حولها ، بعدما وضع
التسريب الدبيبة ، حليف أمريكا الأول داخل ليبيا ، فى موقف صعب للغاية أمام الشعب
الليبى وجهات ومسئولين لهم ثقلهم داخل المجتمع الليبى ، والتى ترفض استمرار
الدبيبة فى موقعه وطالبته بالتخلى عن منصبه فوراً ، لاسيما وأن الدبيبة كان ينتظر
رد الجميل من جانب الولايات المتحدة ، عقب موقفه من الملف الروسى ، وتنفيذ أمريكا
لوعدها له ، بالاستمرار فى السلطة ، أكبر فترة ممكنة.
فقد نفذ عبد الحميد الدبيبة التعليمات الأمريكية
بالتصويت لتعليق عضوية روسيا فى الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، حتى أصبحت ليبيا هى
الدولة العربية الوحيدة ، التى صوتت على تعليق عضوية روسيا ، بعدما امتنعت باقى
الدول عن التصويت ، وتغيبت أخرى حتى تهرب من هذا الفخ الأمريكى ، كما أعلن الدبيبة
، بأنه يرفض وحكومته الحرب الروسية على دولة أوكرانيا ، حتى تسبب فى عداء وإن كان
دفيناً مع الدب الروسى.
ومن هذا المنطلق ، تسربت أنباء عن أن روسيا ، وبالتحديد
المخابرات الروسية ، هى التى قامت بتسريب خبر اللقاء ما بين ليبيا وإسرائيل فى
روما ، وأن المخابرات الروسية رصدت التجهيزات للقاء من قبل ، وتكتمت على تفاصيله
حتى تم انعقاده بالفعل ، ثم قامت بتسريبه ، لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد ، أولهما
رد الصاع لعبد الحميد الدبيبة وكشف ألاعيبه أمام الشعب الليبى ، وبالتالى إحراج
أمريكا مع أحد أهم حلفائها بمنطقة الشرق الأوسط ، وزرع عدم الثقة داخل مسئولى أى
دولة يفكرون فى التقرب من أمريكا وعقد أى اتفاقيات مع إسرائيل.
كما رأت روسيا ،
أن هذا التسريب من شأنه أن يفقد حكومة الدبيبة توازنها ويقوى من جبهة منافسه على
السلطة ، فتحى باشاغا القريب جداً من مجموعة فاغنر التابعة لروسيا ، والذى تم
انتخابه من قبل البرلمان الليبى عام 2022 ، ليكون رئيساً للحكومة الليبية ،
وطالبوا الدبيبة بتسليم السلطة له ، إلا أن الدبيبة رفض وما زال يباشر مهام منصبه
كرئيساً للحكومة من مدينة طرابلس ، وهذا يساعد التطلع الروسى ، بإشعال الموقف فى
الشارع الليبى ، لاسيما وأن صراعات الدبيبة وباشاغا ، وصلت فى بعض الأحيان ، إلى
التدخل المسلح وسقوط ضحايا ومصابين من الجانبين ، وهذا يمنح الضوء الأخضر لروسيا ،
لتجد نفسها داخل الشأن الليبى لإنهاء الأزمة المتوقع حدوثها ، والذى مهدت له
مجموعة فاغنر الموالية لروسيا على مدار أشهر عديدة ، والتى تتواجد بأعداد كبيرة
على الأراضى الليبية.
ومن الأدلة التى تعضد من اتهام روسيا ، بتسريب هذا
اللقاء ، أن المخابرات الروسية ، رصدت تحركات قوية من جانب الولايات المتحدة
الأمريكية ، لضم مجموعة كبيرة من الدول العربية بمنطقة الشرق الأوسط لمجموعة إبراهام ، التى تمنح الضور الأخضر للتطبيع مع الكيان الصهيونى ، والموقع
عليها من قبل الإمارات والبحرين والمغرب مع إسرائيل ، فى محاولة لإعادة توازنها
مرة أخرى بالشرق الأوسط والهيمنة عليه ، لاسيما عقب الاتفاق ما بين السعودية
وإيران ، وشعور أمريكا ، بأن هذه الاتفاق ما هو إلا بداية لتقليص نفوذها بالمنطقة
، وبالتالى يتأثر ابنها المدلل إسرائيل.
وكانت الولايات المتحدة ، قاب قوسين أو أدنى لضم
ليبيا لمجموعة " إبراهام "
وخططت لذلك منذ فترة طويلة ، لأنها ترى أن التحالف مع ليبيا سيفيد المصالح
الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة ، فى ظل موقعها الاستراتيجى والجغرافى الحيوى ،
ورأت فى حكومة الدبيبة السبيل لتحقيق هذا الهدف ، حيث كانت الولايات المتحدة تعد
لاجتماع آخر بين ليبيا وإسرائيل فى روما
أيضاً ، لإنهاء هذا الملف وتوقيع اتفاقية انضمام ليبيا لمجموعة " إبراهام
" ، وبذلك ترد الولايات المتحدة ، على الاتفاقية التى جرت بين السعودية
وإيران ، ولكن روسيا كانت أسرع من التفكير والتخطيط الأميركى ، وفضحت عميلها
الدبيبة ، أمام العالم والدول العربية ، وقللت من فرصه فى التواجد على رأس السلطة
فى ليبيا ، ورفعت من أسهم منافسه باشاغا ، وإحراج قائد الجيش الليبى نفسه خليفة
حفتر ، الذى تربطه علاقات قوية مع الدبيبة ، والذى أصبح أمام خيار واحد ، الابتعاد
عن الدبيبة وعدم مساندته خلال الفترة المقبلة.