شعوب الإيكواس ترفض التدخل العسكرى وتدعم الانقلاب
الوضع فى النيجر يزداد تعقيداً ، فى ظل إصرار مجموعة " الإيكواس
" على قرارها بضرورة ، الإفراج عن محمد بازوم الرئيس الشرعى للبلاد ، وإلا ستضطر
المجموعة ، ووفقاً لبنود تأسيسها للتدخل العسكرى فى النيجر ، لتحرير رئيس البلاد
من الإقامة الجبرية ، وإعادة السلطة الشرعية للبلاد ، بينما يرفض المجلس العسكرى
الإنقلابى فى النيجر ، أى تهديدات من قبل الأيكواس أو غيرها ، مؤكداً أن الإرادة
الشعبية هى التى تحرك المجلس العسكرى ، للتخلص
من حكم بازوم الذى ترك لفرنسا وأمريكا نهب ثروات بلادهم .
ومع تصاعد نبرة التدخل العسكرى فى النيجر من قبل مجموعة الإيكواس ، خرجت
كلا من حكومتى بوركينا فاسو ومالى ، لتؤكدان دعمهما الكامل للمجلس العسكرى الإنقلابى
بالنيجر ، وأكدت الدولتان ، أن أى تدخل
عسكرى فى النيجر ، كأنه تعدى عليهما ، وأن جيشهما سوف يحارب فى جانب المجلس
العسكري الإنقلابى ، وبدأت بالفعل تتحرك تشكيلات عسكرية من الدولتين ، وتستعد
للانضمام للجيش النيجري ، حال بدء التدخل العسكرى من جانب الأيكواس ، ووصلت
الأحداث إلى سماح المجلس العسكرى الانقلابى بالنيجر ، لقوات بوركينا ومالى التواجد
على أرض النيجر.
وهذا الفريق ، يلقى مساندة واضحة ، وإن كانت غير معلنة من روسيا والجزائر ،
حيث أن الأخيرة رفضت طلباً من الحكومة الفرنسية ، بفتح مجالها الجوى أمام
الطائرات الفرنسية ، لتأديب المجلس العسكرى الإنقلابى ، لاسيما عقب إصرار المجلس
العسكرى على طرد السفير الفرنسى بعد رفضه عقد جلسه دعا إليها الانقلابيون ، والمطالبة بطرد السفيرة الأمريكية أيضاً ، بجانب إصرار الإنقلابين على مغادرة الجنود الفرنسيين أراضى النيجر ، الذى يصل عددهم إلى 1500 ، الذين تواجدوا على
أرض النيجر بدعوى محاربة الإرهاب.
ولكن الرئيس الفرنسى ، ماكرون ، خرج بتصريحات لوكالات الأنباء العالمية ،
أكد من خلالها رفض فرنسا لقرار طرد السفير الفرنسى ، لأنه صادر من سلطة غير شرعية
، وأن فرنسا لا تعترف إلا بقرارات الرئيس الشرعى للبلاد ، محمد بازوم ، المحتجز
تحت الإقامة الجبرية ، وأعلن ماكرون ، أن القوات الفرنسية متواجدة على حدود النيجر
من أجل محاربة الإرهاب ، وأمر رحيلها من عدمه بيد الحكومة الفرنسية فقط ، ويرى
المراقبون أن قرار الجزائر مساندة الإنقلابيين وإن جاء سراً ، أمر طبيعى فى ظل
نظرة الجزائر لفرنسا بأنها دولة مستعمرة ، ظلت لسنوات عديدة تنهب الثروات
الجزائرية ، بخلاف تسببها فى استشهاد أكثر من مليون جزائرى.
شهادة وفاة لمجموعة الإيكواس.
مجموعة الإيكواس ، هى منظمة سياسية اقتصادية ، تم تأسيسها خلال عام 1975 ،
تضم 15 دولة بغرب أفريقيا ، والتى تم تأسيسها بغرض حفظ السلام بالغرب الأفريقى ،
ومن بين بنود تأسيس المجموعة ، التدخل العسكرى فى أى دولة يحدث بها انقلاب على
السلطة الشرعية بالبلاد , ومحاولة إعادة الهدوء الأمنى والاستقرار للدول التى
تتعرض لفوضى أمنية ، وسبق للمجموعة التدخل العسكرى أكثر من مرة ، فخلال عام 2003
تدخلت عسكرياً فى ليبيريا وساحل العاج ، و2012 بغينيا بيساو و2013 فى مالى ، و2017
فى غامبيا ، ولكن المجموعة عجزت عن التدخل العسكرى ، فى السنوات الأخيرة ، لإجهاض
الانقلابات العسكرية فى مالى وبوركينا فاسو وغينيا.
ويبدو أن الملف بدولة النيجر يمثل الكثير لمجموعة الإيكواس ، والتى ترى أن
نجاح الانقلاب بالنيجر ، والتخلص من السلطة الشرعية ، يعد بمثابة شهادة وفاة
للمجموعة ، وربما تكتب قضية النيجر نهايتها دون رجعة ، لاسيما بعد نجاح الانقلاب
العسكرى فى مالى وبوركينا فاسو وغينيا ، فى القفز على السلطة الشرعية بتلك البلاد
، دون أن يكون هناك دور للمجموعة لإجهاض تلك الانقلابات ، التى تحقق النجاح
الانقلاب تلو الآخر، وهى أمور تضعف من قوة المجموعة ، وتنسف قراراتها وقوانينها ،
و نجاح هذا الانقلاب ، سوف يفتح الطريق
على مصرعية للمزيد من الانقلابات العسكرية بمنطقة غرب أفريقيا ، وتتحول لفوضى
أمنية ، تسمح بتمدد العناصر والجماعات الإرهابية ، بشكل أكبر وأقوى.
الظهير الشعبى والقرار الأمريكى
مجموعة الإيكواس بالفعل أمام تحدى صعب ، خاصةً وأن مالى وبوركينا فاسو
وغينيا معلقة عضويتهم بالمجموعة ، بجانب موريتانيا التى طلبت تعليق عضويتها ، مما
جعل قضية النيجر معركة وجود بالنسبة للأيكواس ، والتى أصدرت أكثر من مهلة زمنية
لقيادات الانقلاب ، بضرورة إعادة محمد بازوم للسلطة ، والالتزام بالشرعية ، مع
العلم أن قوات المجموعة بدأت تتأهب على الحدود النيجيرية ، لتوجيه الضربة العسكرية
للنيجر ، وهو توجه قابلته شعوب دول الأيكواس ، سواء فى نيجيريا أو السنغال أو غانا
وغيرها ، بالرفض التام ، وتصاعدت نبرة الاعتراض الشعبى ، لدرجة أن المئات من
المواطنين بعدد من دول الإيكواس ، خرجوا للشوارع ، لإعلان رفضهم لأى تدخل عسكرى فى
النيجر ، حيث تنظر شعوب دول المجموعة إلى ما حدث بالنيجر، بأنها ثورة للتخلص من
المستعمر الفرنسى ، الذى ظل لعقود من الزمان يحكم قبضته على دول المنطقة ، بدعوى
محاربة الإرهاب ونشر الأمن والاستقرار ، وهو فى حقيقة الأمر حسب رأيهم مستعمر جاء
لنهب ثروات بلادهم واستنزافها اقتصادياً.
و ترى شعوب دول مجموعة الإيكواس ، أن ملف مكافحة الإرهاب ، الذى يمثل
القاعدة للتواجد الفرنسى أو الأمريكى فى دول غرب أفريقيا ، لم يحقق المرجو منه ،
فى ظل تمدد الجماعات الإرهابية ، وتزايد العمليات المسلحة من قبل تلك الجماعات ،
وزاد من هذا الإحساس ما أعلنه مؤخراً عبر وسائل الإعلام ، المجلس الانقلابى
بالنيجر ، بأن فرنسا تعمدت إطلاق سراح الجهاديين المقبوض عليهم لديها ، من أجل
زيادة الأعمال الإرهابية والمسلحة بالمنطقة ولاسيما بالنيجر ، لنشر الفوضى الأمنية
وعدم الاستقرار ، وهو الأمر الذى حاولت فرنسا نفيه أكثر من مرة ، أضف إلى ذلك أن
شعوب دول الأيكواس .
موقف الولايات المتحدة أيضاً ، فى ملف انقلاب النيجر ، يعطل أى تدخل عسكرى
فى الوقت الراهن ، حيث أعلنت الولايات المتحدة ، أنها تميل للتهدئة والحل السلمى ،
وتستبعد استخدام القوة ولو بشكل مؤقت ، على أمل أن تنجح المفاوضات فى حل الأزمة ،
وإعادة الشرعية المتمثلة فى الرئيس المنتخب محمد بازوم ، من هذا المنطلق ، كثفت مسئولون بالولايات المتحدة وحلفائها من مفاوضاتهم مع قيادات الانقلاب بالنيجر ،
للخروج من الأزمة بحل سلمى ، وهو أمر يرفضه قيادات الانقلاب ، وأصروا على موقفهم ،
وردوا على محاولات أمريكا ، بالمطالبة بطرد السفيرة الأمريكية من النيجر ،
فالولايات المتحدة على علم كامل ، بأن جميع الأطراف خاسرة ، فى حال اللجوء للقوة
والتدخل العسكرى فى ملف النيجر.
فرؤية الولايات المتحدة مبنية على محاور عدة ، أهمها على الإطلاق ، تحرك
قوات عسكرية من مالى وبوركينا فاسو للانضمام
للمجلس العسكرى الانقلابى بالنيجر ،
بهدف الحرب بين صفوفه ، إذا وصلت الأمور للتدخل العسكرى ، والذى أصبح أمر
مطروح فى ظل الاستعدادات التى يقوم بها الجيش النيجيرى ، والذى يعتبر من أقوى جيوش
مجموعة الأيكواس ، يصل تعداده إلى 23 ألف جندى ، وتخشى الولايات المتحدة ، أن
تستغل روسيا التدخل العسكرى ، فى تقديم الدعم العسكرى والمادى للانقلاب العسكرى
وحلفاءه ، مما سيؤدى إلى تحويل المنطقة لمواجهات مسلحة من الصعب السيطرة عليها ،
الأمر الذى يهدد المصالح العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة بالمنطقة.
شهادة وفاة لفرنسا فى القارة السمراء
قضية النيجر بالنسبة لفرنسا ، مسألة حياة أو موت ، بالنظر إلى أن التواجد
الفرنسى بالقارة السمراء ، خلال السنوات الست الأخيرة ، تقلص بصورة ملحوظة ، أزعجت
الحكومة الفرنسية ، التى ترى أن أى ملف تخسره فى أى دولة أفريقية ، ينعكس بشكل
سلبى على الاقتصاد الفرنسى ، والذى اعتمد على ثروات الدول الأفريقية التى سيطرت
عليها فرنسا لعقود طويلة ، والنيجر بالذات تمثل أهمية قصوى لاقتصاد الدولة الفرنسية
، ويكفى أنها تعتمد على اليورانيوم النيجرى ، لانتاج 35% من الطاقة النووية
والكهرباء ، بخلاف الذهب والمعادن النفيسة التى سيطرت عليها فرنسا ، بمشاركة
الولايات المتحدة بالطبع .
ويعتبر نجاح الانقلاب العسكرى للنيجر ، كما هو شهادة وفاة لمجموعة الأيكواس
، شهادة وفاة أيضاً للتواجد الفرنسى داخل القارة السمراء ، بعدما أصبحت النيجر
التى هى الملاذ الأخير لفرنسا عقب الانقلابات العسكرية الأخيرة ، التى كتبت نهاية
تواجدها بدول الانقلاب ، وعلى رأسها مالى وبوركينا فاسو ، واتهم المراقبون
والمحللون ، الجانب الفرنسى ، بأنه السبب الرئيسى فى وضعه الصعب داخل القارة
السمراء ، حيث لم تستغل فرنسا تواجدها بدول القارة لفترات طويلة ، فلم تظهر خلالها أى اهتمام بالملف الانسانى
والاجتماعى ، وتركت الدول تعانى من الفقر وعدم الإعمار ، ولا تبحث إلا عن مصالحها
الاقتصادية فقط ، ونهب ثروات دول القارة ، فكان من الطبيعى أن تظل نظرة شعوب
القارة السمراء لفرنسا بأنها دولة مستعمرة فقط لا أكثر ولا أقل من ذلك.