تقرير - محمد مقلد
ثورة 30 يونية من أهم وأخطر الثورات التى تعرضت لها أرض الكنانة عبر تاريخها ، ربما تفوق فى أهميتها ونتائجها ثورة 23 يوليو نفسها ، فإنتفاضة الشعب المصرى فى هذا التوقيت ، والتصدى لكابوس " الحكم الأوحد " لجماعة طفت على سطح الأحداث من خلف ستار الدين ، أنقذ البلاد من الدخول لنفق مظلم ، تسلل الضوء من خلاله درب من دروب الخيال ، وجنبها السقوط فى فخ عادات وتقاليد تم طهيها على نار الفكر الماسونى البحت
فالقضية لا تتعلق على الإطلاق بإتهام الجماعة المحظورة بتبعيتها المباشرة للماسونية العالمية ، بقدر ما هى أفكار وسلوك وأفعال تضعنا أمام مقارنة بين الفصيلين لاسيما فيما يتعلق بالمعتقد الثابت والنظرة العامة للبشرية وطريقة التعامل معها.
الحٌكم الأوحد والأهداف الخبيثة
المقارنة بين ما داخل عقول الإخوان وسلوك الماسونية ، نتيجته حتماً " تشبيه تمثيلى " كل أركانه متوفرة ، فعندما قرر حسن البنا تأسيس الجماعة عام 1928 ، أعلن أن هدفها إصلاحى ، إجتماعى ، سياسى ، إقتصادى من منظور إسلامى ، وهذا لا يختلف كثيراً عن الماسونية التى أعلنت أن تأسيسها جاء بهدف كرم الأخلاق والمواساة والإحسان للفقير وأن الإسلام جاء بالمعتاد ، فالطرفين أعلنا شئ متشابه يقوم على التسامح ونشر الفضيلة ، أما فى باطن الأمور فلكل فصيل منهما أهدافه الخبيثة التى يتطلع لتحقيقها ولا يمانع فى إراقة الدماء وتدمير شعوب وتشريدهم فى سبيل الوصول لغايته ، فالماسونية كانت تدعو فى الخفاء قبل إعلان ذلك جهراً فيما بعد إلى أنه ينيغى على الإنسان أن يبقى على حاله الأولى ، لاأله ، لارب ، لانبى، لا شريعة فبذلك فقط تستطيع أن تصل للهدف الأسمى وهو السيطرة الكاملة على العالم فيما يعرف بـ " الحٌكم الأوحد للعالم "
أما الإخوان شعارهم كان معروفاً منذ بداية التأسيس "سرية التنظيم علنية الدعوة " فهى فى العلن جماعة تدعو للإسلام والتمسك بتعاليمه ، وفى الخفاء جماعة يقيم أبرز أعضائها فيما يعرف بـ " الخيم " لتدريب أفرادها على العنف وعمل معسكرات لتعليمهم حمل السلاح ليساعدهم على نجاح هذا العنف ، بجانب نشر أعضاءها فى جميع أنحاء العالم معظمهم من الرأسماليين للسيطرة على المفاصل الإقتصادية للدول التى يقيمون بها ، والجماعة كشفت مخططها من تلقاء نفسها فور وصولها لسدة الحكم فى مصر ، فما هو إلا عام واحد فقط على تواجدهم على رأس السلطة ، حتى ظهرت نواياها الخبيثة بمحاولة السيطرة على الأركان الأساسية للدولة من جيش وشرطة وقضاء حتى الوزراء والمحافظين جميعهم كانوا تابعين للجماعة، لتكون الدولة بالكامل فى قبضتهم ولا يستطع أحد مهما كان الخروج على السمع والطاعة ، فهل هناك فرق بين الفصيلين فى الأهداف المعلنة والأخرى الخفية المصبوغة بخبث الغاية الحقيقية .
الولاء والإنتماء
أمافيما يخص الشروط التى وضعتها الماسونية لقبول أعضاء جدد ، أن يكون عمر العضو 18 أو 21 عاماً ، وأن يتمتع بالبدن الصحى ، ولدية الحكمة والعقل ، والأخلاق والسمعة الحسنة ، وأن يكون جامعى ، ويتم تزكيته من عضوين ماسونيين على الأقل ، فالشروط تتشابه وإن كانت تختلف فى بعض الأمور البسيطة منها مرحلة تربية الأسرة عند الجماعة، كما أن الفصيلين يقومان على فكرة قريبة الشبه فى قضية تصنيف وترتيب الأعضاء لديهما ،ففى الماسونية المرحلة الأولى مرحلة " المبتدأ " الخاصة بيمين القسم ، ثم مرحلة " أهل الصنعة " المتعلقة بالبلوغ والمسئولية ، وأخيراً مرحلة " الخبير " ، والإخوان يطبقون نفس الفكر فى هذا الشأن فلابد للعضو لديهم أن يمر بعدة مراحل حتى يكون عضو مؤثر ويصل لمرحلة المشاركة فى الدورة والخيم والمعسكرات
وبالنسبة للولاء والإنتماء فلكل تنظيم منهما قسم معين حتى يصبح عضواً بالتنظيم ، فالإخوانى يقسم على الولاء والطاعة للجماعة ويديه على المصحف ، والعضو الجديد بالماسونية يقبل ما يسمى بالكتاب المقدس بعد أداء القسم أمام ما يطلقون علية " الرئيس الأعظم"
الأعمال الخيرية وإسقاط الأنظمة
وفى مصر تم منع نشاط الماسونية وإغلاق كافة محافلها خلال عام 1964 ، بعدما رصدت الأجهزة المعنية أن المنظمة الماسونية نجحت فى ضم عدد كبير من أصحاب المناصب الحساسة ،وعادت للعمل مرة أخرى فى بداية الثمانينات بأسلوب الزحف البطيئ تحت غطاء الأعمال الخيرية والخدمات العامة ،حتى تتوغل بشكل أكبر وأعمق فى قلب المجتمع ، وهو نفس توجه جماعة الإخوان التى كانت تعتمد بشكل أساسى على المؤسسات والجمعيات الخيرية والنقابات المختلفة ، حتى أنها كانت تستغل تلك المؤسسات لمساعدتها فى نشاطها السياسى ولاسيما وقت الانتخابات.
وأعلنت الماسونية فى أكثر من محفل لها ، أن هدف المنظمة الرئيسى نشر الفوضى والإرهاب فى البلدان لتتمكن من إسقاط أنظمة الحكم الوطنية للسيطرة الكاملة عليها ، ومن هذا المنطلق وجهت كافة سهام الاتهام نحو الماسونية فى أنها لعبت دور كبير ومؤثر فى ثورات الربيع العربى بهدف إسقاط أنظمة الحكم الوطنى بها وسهولة السيطرة عليها ، وهو نفس الدور الذى قامت به الجماعة المحظورة فى مصر أثناء ثورة يناير من تخطيط لنشر الفوضى بالشوارع وقتل متظاهرين بأيدى عناصر الجماعة نفسها لإشعال الموقف فى الشارع المصرى ، وتفعيل دور الإرهاب فى سيناء والقاهرة لبث الرعب فى قلوب المواطنين وجعلهم يفقدون الثقة فى القيادة السياسية ، وقد تحقق لهم ما أرادوا لولا ثورة يونية التى قضت على أحلامهم فى المهد رغم وصولهم لكرسى السلطة .
قطب و طريق الإغتيالات
وإذا كانت الماسونية تطلق على كبيرهم " المهندس الأعظم" أو " الرئيس الأعظم " ولها محافل فى معظم دول العالم ومعظم اجتماعاتهم سرية ، فاللإخوان " مرشد عام "ومكاتب إرشاد فى معظم دول العالم أيضاً ، وإجتماعاتهم سرية ، وهذا له السمع والطاعة ، وذلك له السمع والطاعة ، ونظراً لهذا التقارب الواضح بين أفكار الماسونية وسلوك الإخوان ، تأثر عدد كبير من قادة الجماعة بالماسونية ويكفى أن سيد قطب مؤسس التيار القطبى بالجماعة القائم على العنف ،أعلن صراحةً من خلال مقال شهير له نشر بإفتتاحية مجلة " " التاج المصرى " التابعة للمحفل الماسونى والصادرة فى أبريل عام 1943 ، تحت عنوان " لماذا صرت ماسونياً " ، بأنه ماسونى وتغنى قطب فى مقاله بالماسونية
وأشتركت الماسونية وجماعة الإخوان فى اتباع أسلوب الاغتيالات لكل من تسول له نفسه أن يقف فى طريقهم ويحاول تحطيم أحلامهم الشيطانية ، فإذا كانت الماسونية تمكنت من اغتيال إبراهام لينكولن أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية والعالم يحيى المشد ومحمود الهمشرى ممثل منظمة التحرير الفلسطينى فى باريس وغيرهم كثيرون، فقائمة الإغتيالات التى تورط فيها الإخوان تضم العديد والعديد من الأسماء نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر رئيس الوزراء أحمد ماهر والمستشار أحمد الخازندار ومحمود النقراشى رئيس الوزراء عام 1948
سيد قطب
خلاصة القول
مما سبق يتضح أن كل أفعال وسلوك الجماعة المحظورة يؤكد أن نظرتهم للبشرية والتعامل مع الأخر تحمل الفكر الماسونى البحت ، وترفع شعار " الجماعة ومن بعدها الطوفان " وهذا ما يفسر لنا حالة العنف التى شهدتها البلاد عقب ثورة 30 يونية ، سواء عنف دموى ، أو عنف إعلامى باستخدام قاموس يحمل عبارات وألفاظ يعف اللسان عن ذكرها لمجرد أنهم أبتعدوا عن الحكم ، حتى أثناء حكمهم واصلوا عمليات العنف بمختلف أنواعه لتحقيق كل أهدافهم خلال فترة وجيزة فشهدنا دورهم فى مذبحة رفح الأولى وقتل الجنود أثناء الإفطار فى رمضان ،وخطف الجنود السبعة للإفراج عن بعض الإرهابيين من السجون لضمهم لجيشهم الحر ، لذلك كانت لثورة 30 يونيه علاقة طردية مع فكر ماسونى أعتنقه الإخوان وتخلص منه الشعب المصرى .