بقلم- محمد مقلد
الأنطوائية والعزلة كانت تقيدنى وتغلف حياتى بشكل كامل ، وأصدقائى لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة فربما تكون النشأة هى المتهم الأول فى تلك الصفة التى أرقتنى كتيراً لأنها تتنافى تماماً مع عملى لما يزيد عن عشرين عاماً فى مهنة الصحافة والإعلام والتى حققت فيها نجاحاً أراه مقبولاً ، ومن عدة سنوات قررت أن أقتل صديقة العمر وأوارى جسدها بين تراب الماضى وبدأت حياة جديدة أساسها الإنصهار فى المجتمع وتوسيع دائرة التعامل مع الأخرين ، وهى خطوة رغم صعوبتها على شخص مثلى فقد ساعدنى وقادنى إليها إيمان راسخ بأن مكارم الأخلاق تحكم قبضتها على الأخلاق الذميمة داخل كل شخص ولا تسمح بالحرية إلا للقليل منها وهو ما حدث معى خلال ربيع العمر ولكن بحدود ساعدتنى مع مرور السنة تلو الأخرى أن أتخلص منها بنسبة أعتقد والحمد لله أنها كبيرة ومعقولة .
وداخل المجتمع القديم والغريب عنى لحداثة تعاملى معه فوجئت ولا سيما خلال الفترة الأخيرة بأمور وتصرفات من السواد الأعظم جعلتنى أسترجع مقولة طارق بن زياد " العدو من خلفكم والبحر من أمامكم " فالعودة للإنطوائية والعزلة أصبحت صعبة والمضى قدماً والإنخراط فى المجتمع الجديد أكثر صعوبة ، وتسمرت قدماى فى منتصف طريق أعيد شريط الذكريات لأيامى الأولى ونظرة معظم المحيطين ، واتهامى بالتكبر وتعمد الإبتعاد عنهم ، و..... و...... ألخ .
ومن ناحية أخرى أخذ عقلى يذكرنى بما عانيته فى النصف الثانى من الطريق وما شاهدته من نفاق وكذب ورياء واللهث وراء المناصب كلهث الكلاب الجائعة للبحث عن عظمة أخفاها الثرى ، وأصحاب الأقنعة والوجوه المتعددة ، وإناس أعتقدوا داخل عقولهم الضيقة بأن زوال الدنيا درب من الخيال ، وآخرين همهم الأول إشعال نار الفتن والوقيعة بين الناس لأن وجودهم دائماً مرهون بأن تظل الأمور مشتعلة لأقصى درجة ومثل هؤلاء لا يهتمون بنتيجة أفعالهم الدنيئة وبث سمومهم حتى ولو كان الضحايا زملائهم وربما أقرب الناس أليهم فى الظاهر فباطنهم شياطين وظاهرهم ملائكة .
وحقيقة الأمر رأيت نفسى فى النهاية وكأننى أقرأ رواية الكاتب الكبير يوسف السباعى "أرض النفاق " والتى تم تحويلها لفيلم سينمائى للراحل فؤاد المهندس ، وهذا بالطبع يتنافى مع ما أكده الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بأن هناك ركناً هاماً فى الإسلام لا يقل أهمية عن أركان الإسلام الخمس التى دعا إليها إسلامنا الحنيف ، وأوضح المصطفى صلوات الله عليه بأن المؤمن الحق لا يقاس بصلاته وصيامه وزكاته فقط ، فرباط الدين يقوم فى الأساس على حسن المعاملة بين المسلمين " فالدين أساسه المعاملة " ورسخ ذلك رسولنا الكريم فى حديثة الذى أجمع علماء الدين على صحته " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " فمكارم الإخلاق جوهر المعاملة فى الإسلام ، ولأهمية مكارم الأخلاق فى حياتنا وجدنا كبار الشعراء والأدباء يؤكدوا على تلك الحقيقة فها هو أمير الشعراء يقول فى أحد قصائده " أنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا " وقال شوقى أيضاً " إذا أصيب القوم فى أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا " وتعددت الأقوال المأثورة منهاعلى سبيل المثال لا الحصر " حسن الخلق أحد مراكب النجاة " و" أطهر الناس أعراقاً أحسنهم أخلاقاً " .
وبذلك يتضح بشكل جلى دينياًوأدبياً وعلمياً أن " مكارم الأخلاق " هى الركن الأقوى لبناء مجتمع اسلامى قوى ومترابط ولكن يبقى السؤال مطروحاً وسيظل ٠٠ هل لهذا الركن أن يجد لنفسه مكاناً على أرض النفاق ؟ ،،،، وللحديث بقية إذا كان فى العمر بقية .